فصل: تفسير الآية رقم (84):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (82):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ} [82].
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي: عذابنا: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أي: فقلبت تلك المدن ونبتها بسكانها جميعاً {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} أي: طين متحجر، كقوله: {حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} [الذاريات: من الآية 33]، {مَّنضُودٍ} أي: يرسل بعضه في إثر بعض متتابعاً.
قال المهايمي: اتصل بعضه ببعض، ليرجموا رجم الزناة، بما يناسب قسوتهم ورينهم الذي اتصل بقلوبهم.

.تفسير الآية رقم (83):

القول في تأويل قوله تعالى: {مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [83].
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ} معلمة عنده: {وَمَا هِيَ} أي: تلك الحجارة: {مِنَ الظَّالِمِينَ} أي: بالشرك وغيره: {بِبَعِيدٍ} فإنهم بسبب ظلمهم مستحقون لها، وملابسون بها. وفيه وعيد شديد لأهل الظلم كافة. وقيل: الضمير للقرى، أي: هي قريبة من ظالمي مكة، يمرون بها في أسفارهم إلى الشام، وقد صار موضع تلك المدن بحر ماء أجاج لم يزل إلى يومنا هذا، ويعرف بالبحر الميت لأن مياهه لا تغذي شيئاً من جنس الحيوان، وب- بحر الزفت أيضاً؛ لأنه ينبعث من عمق مقره إلى سطحه، فيطفو فوقه، وب- بحيرة لوط والأرض التي تليها قاحلة لا تنبت شيئاً.
قال أبو السعود: وتذكير بعيد على تأويل الحجارة بالحجر، أو إجرائه على موصوف مذكر، أي: بشيء بعيد، أو لأنه على أنه المصدر، كالزفير والصهيل. والمصادر يستوي في الوصف بها، المذكر والمؤنث.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (84):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} [84].
{وَإِلَى مَدْيَنَ} أي: وأرسلنا إلى مدين، عطف على ما قبله و{مدين} بلد بين الحجاز والشام، على مقربة من معان ويطلق على أهلها، وهم قوم من العرب كانوا يعمرونها.
{أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} أي: لتبخسوا الناس أشياءهم بالباطل: {إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ} أي: نعمة وثروة في رزقكم ومعيشتكم، وعافية وتمتع في وجودكم. يعني: فلا تتعرضوا لزوال ذلك عنكم بما تأتونه مما تنهون عنه، كما قال سبحانه: {وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} أي: مهلك، أو لا يشذ منه أحد.

.تفسير الآية رقم (85):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [85].
{وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} أي: العدل.
قال الزمخشري: فإن قلت: النهي عن النقصان أمر بالإيفاء، فما فائدة قوله: {أَوْفُواْ}؟.
قلت: نهوا أولاً عن عين القبح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان؛ لأن في التصريح بالقبيح بغياً على المنهي، وتعييراً له. ثم ورد الأمر بالإيفاء، الذي هو حسن في العقول، مصرحاً بلفظه لزيادة ترغيبٍ فيه، وبعث عليه، وجيء به مقيداً {بالقسط} أي: ليكن الإيفاء على وجه العدل والتسوية، من غير زيادة ولا نقصان أمراً بما هو الواجب؛ لأن ما جاوز العدل فضل، وأمر مندوب إليه، وفيه توقيف على أن الموفي عليه أن ينوي بالوفاء القسط؛ لأن الإيفاء وجه حسنه أنه قسط وعدل. فهذه ثلاث فوائد. انتهى-.
{وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ} أي: لا تنقصوهم حقوقهم بطريق من الطرق، كالكيل والوزن وغيرهما، فهو تعميم بعد تخصيص؛ لأنه أعم من أن يكون في المقدار وغيره. والبخس: الهضم والنقص. ويقال للمكس: البخس، قال زهير:
أفي كل أسواق العراق إتاوة ** وفي كل ما باع امرؤ بخس درهم

ألا تستحي منا ملوك وتتقي ** محارمنا لا تتقي الدم بالدم

وروي مكس درهم. يريد زهير: أخذ الخراج وما هو اليوم في الأسواق من رسوم وظلم. وكان قوم شعيب يأخذون من كل شيء يباع شيئاً، كما تفعل السماسرة، أو كانوا يمكسون الناس، أو كانوا ينقصون من أثمان ما يشترون من الأشياء، فنهوا عن ذلك، كذا في الكشاف وشرحه.
قال القاشاني: لما رأى شعيب عليه السلام، ضلالتهم بالشرك، واحتجابهم عن الحق بالجبت، وتهالكهم على كسب الحطام بأنواع الرذائل، وتماديهم في الحرص على جمع المال بأسوأ الخصال، نهاهم عن ذلك، وقال: إني أراكم بخير في استعدادكم من إمكان حصول كمال وقبول هداية، وإني أخاف عليكم إحاطة خطيئاتكم؛ لاحتجابكم عن الحق، ووقوفكم مع الغير، وصرف أفكاركم بالكلية إلى طلب المعاش، وإعراضكم عن المعاد، وقصور هممكم على إحراز الفاسدات الفانيات عن تحصيل الباقيات الصالحات، فلازموا التوحيد والعدالة واعتزلوا عن الشرك والظلم، الذي هو جماع الرذائل وأم الغوائل.
{وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أي: لا تعملوا فيها الفساد. يعم أيضاً تنقيص الحقوق وغيره، كالسرقة، والدعاء إليه، والصد عن الإيمان ونحوها.

.تفسير الآية رقم (86):

القول في تأويل قوله تعالى: {بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ} [86].
{بَقِيَّةُ اللّهِ} أي: ثوابه الباقي على وفاء الكيل والوزن، أو ما أبقاه عليكم بعد التنزه عن الحرام، أو ما تفضل عليكم من الربح بعد وفائهما: {خَيْرٌ لَّكُمْ} أي: في دينكم ودنياكم: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فإن المؤمن يبارك له إذا تنزه عن الحرام. أو مصدقين بما أقول.
وقال القاشاني: أي: إن كنتم مصدقين ببقاء شيء، فما يبقى لكم عند الله من الكمالات والسعادات الأخروية، خير لكم من تلك المكاسب الفانية التي تشقون بها، وتشقون على أنفسكم في كسبها وتحصيلها، ثم تتركونها بالموت، ولا يبقى منها معكم شيء إلا وبال التبعات والعذاب اللازم، لما في نفوسكم من رواسخ الهيئات.
{وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ} أي: رقيب لأحفظكم عن القبائح وأكفكم عنها بسيطرة. وإنما أنا مبلغ نذير.

.تفسير الآية رقم (87):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [87].
{قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} أي: من الأصنام، أجابوا به أمرهم بالتوحيد على الاستهزاء والتهكم بصلواته، والإشعار بأن مثله لا يدعو إليه داع عقلي، وإنما دعاك إليه خطرات ووساوس من جنس ما تواظب عليه. وكان شعيب كثير الصلاة، فلذلك جمعوا وخصوا الصلاة بالذكر. وقرئ: {أصلاتك} بالإفراد- قاله القاضي.
{أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء} من نقص ونحوه: {إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} أي: الموصوف بالحلم والرشد في قومك، يعنون أن ما تأمر به لا يطابق حالك، وما شهرت به.
كما قال قوم صالح عليه السلام: {قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا} [هود: من الآية 62]، أو قالوا ذلك تهكماً به، والمراد أنه على الضد من ذلك. قيل: وهذا أرجح؛ لأنه أنسب بتهكمهم قبله، والأدق هو الأول لمماثلته لما خوطب به صالح، وتعقيبه بمثل ما عقب به، وهو قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (88):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [88].
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي} أي: أخبروني إن كنت على برهان يقيني مما أتاني ربي من العمل والنبوة: {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً} أي: مالاً حلالاً مكتسباً بلا بخس وتطفيف، أو حكمة ونبوة، وكمالاً وتكميلاً، بالاستقامة على التوحيد. هل يصح لي أن أخون الوحي، وأترك النهي عن الشرك والظلم، والإصلاح بالتزكية والتحلية. وهو اعتذار عما أنكروه عليه من تغيير المألوف والنهي عن دين الآباء. وحذف جواب {أرأيتم} لما دل عليه في مثله، كما مر في نبأ نوح وصالح عليهما السلام، وعلى خصوصيته هنا من قوله: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} أي: وما أريد أن آتي ما أنهكم عنه، لأستبد به دونكم، فلو كان صواباً لآثرته، ولم أعرض عنه، فضلاً عن أن أنهى عنه- أفاده القاضي-.
وفي التاج: يقال خالفه إلى الشيء: عصاه إليه، أو قصده بعد ما نهاه عنه، وهو من ذلك.
قال القاشاني: أي: ما أقصد إلى جر المنافع الدنيوية الفانية، بارتكاب الظلم الذي أنهاكم عنه.
{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ} أي: إصلاح نفوسكم بالتزكية، والتهيئة لقبول الحكمة، ما دمت مستطيعاً متمكناً منه {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ} أي: وما كوني موفقاً للإصلاح إلا بمعونة الله وتأييده {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} أي: أعتمد: {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أي: أرجع في السراء والضراء.

.تفسير الآية رقم (89):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} [89].
{وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي} أي: لا يكسبنكم عدواتي: {أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} من الغرق والريح والصيحة: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} فإن منازلهم قريبة منكم، وقد علمتم ما نزل بهم من قلب الأرض وإمطار الحجارة. وذلك لأن مخالفة الرسل تقتضي أحد هذه الأمور.

.تفسير الآية رقم (90):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [90].
{وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ} أي: من عبادة الأصنام: {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} أي: بالتوحيد، أو بالرجوع عن البخس والتطفيف: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ} أي: للمستغفرين التائبين: {وَدُودٌ} أي: مبالغ في المحبة لهم.

.تفسير الآية رقم (91):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [91].
{قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ} أي: ما نفهم: {كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ} كالتوحيد، وحرمة البخس. يعنون أنهم لا يقبلونه، أو قالوا ذلك استهانة به، كما يقول الرجل لمن لا يعبأ بحديثه: ما أدري ما تقول! أو جعلوا كلامه هذياناً وتخليطاً لا ينفعهم كثير منه، والكثير مراد به الكل، أو قالوه فراراً من المكابرة.
قال أبو السعود: الفقه معرفة غرض المتكلم من كلامه. أي: ما نفهم مرادك، وإنما قالوه بعد ما سمعوا منه دلائل الحق البين على أحسن وجه وأبلغه، وضاقت عليهم الحيل، فلم يجدوا إلى محاورته سبيلاً، سوى الصدود عن منهاج الحق، والسلوك إلى سبيل الشقاء، كما هو ديدن المفحم المحجوج، يقابل البينات بالسب والإبراق والإرعاد. فجعلوا كلامه المشتمل على فنون الحكم والمواعظ، وأنواع العلوم والمعارف، من قبيل ما لا يفهم معناه، ولا يدرك فحواه، وأدمجوا في ضمن ذلك أن في تضاعيفه ما يستوجب أقصى ما يكون من المؤاخذة والعقاب. ولعل ذلك ما فيه من التحذير من عواقب الأمم السالفة، ولذلك قالوا:
{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً} أي: لا قوة لك، فتمتنع منا إن أردنا بك سوءاً: {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ} أي: قومك وأنهم على ملتنا: {لَرَجَمْنَاكَ} أي: قتلناك برمي الأحجار، أو شر قتلة: {وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} أي: لا تعز علينا ولا تكرم حتى نكرمك ونمنعك من الرجم.

.تفسير الآية رقم (92):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [92].
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ} أي: من أمره ووحيه ودينه {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً} أي: نسيتموه وجعلتموه كالشيء المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به، والظهري منسوب إلى الظهر، والكسر من تغييرات النسب كما قالوا: إِمسي بالكسر في النسبة إلى أمس ودُهري بالضم بالنسبة إلى الدهر: {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} أي: عالم لا يخفى عليه فيجازيكم.

.تفسير الآية رقم (93):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} [93].
{وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي: غاية تمكنكم واستطاعتكم، أو على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها، من كفركم وعداوتكم: {إِنِّي عَامِلٌ} أي: على مكانتي التي كنت عليها من الثبات على الإسلام والمصابرة.
{سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} أي: منتظر لهلاككم. وفي زيادة {معكم} إظهار منه عليه السلام لكمال الوثوق بأمره.
قال الزمخشري: فإن قلت: أي: فرق بين إدخال الفاء ونزعها في: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ}؟
قلت: إدخال الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل، ونزعها وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر، كأنهم قالوا: فما يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا، وعلمت أنت؟ فقال: سوف تعلمون! فوصل تارة بالفاء، وتارة بالاستئناف، للتفنن في البلاغة، كما هو عادة بلغاء العرب، وأقوى الوصلين، وأبلغهما الاستئناف؛ للإشعار بأنه مما يسأل عنه، ويعتني به، ولذا كان أبلغ في التهويل.